قصة ابراهيم عامل " المُوقْفْ "




"منذ 12 سنة، وأنا اشتغل هنا" يقول إبراهيم. قد يعتقد البعض أن الأمر يتعلق بعامل في شركة أو موظف في إدارة، لكن الأمر يتعلق بعامل ب"الموقف". مكان شاسع يتخذه شبان وشيب "مقرا" لعملهم، وسط حدائق عمومية غير معتنى بها. يجلسون فرادا وجماعات، ويضعون معداتهم أمامهم، ليتعرف عليهم الأشخاص الذين هم في حاجة ليد عاملة تقوم بأعمال مؤقتة، مثل حمل أكياس الإسمنت أو هدم جزء من بناية ، او إصلاح قنوات الصرف الصحي ، او ما يسمى " بالبريكول " كيفما كانت طبيعة عمله ، المهم هو البحث عن كسب بعض المال لسد مصاريف الاسرة والكراء .

كانت الساعة تشير لمنتصف النهار، حينما وصلنا إلى "موقف" قريب من محطة الحافلات "القامرة" بالرباط. طلبنا من أحد الواقفين في "الموقف" الحديث إلينا عن وضعيته، فاجتمع حولنا جمهور غفير. تبدو عليهم ملامح الإجهاد والتعب، من كثرة العمل اليدوي الشاق، وجوه لفحتها أشعة الشمس، وثياب تعبر على واقع الحال البئيس.

قال رجل مسن تجاوز السبعين، يشتغل في المكان، وينتظر هنا زبناءه: "الظروف صعبة"، وهذه العبارة تلخص واقع هذه الشريحة من المغاربة، التي تجد نفسها مرمية في الشارع، تكاليف الحياة من ورائها، والحفر من أجل الحصول على قوت الأولاد أو الآباء أمامها.

والكلمات التي تتردد في هذا "الموقف" هي: الانتظار، العيش في المؤقت، الخوف من المستقبل المجهول، والعزيمة على مواجهة مجتمع لا يرحم، دون الحديث عن النظرة السلبية إلى القانون، الذي لا يطبق إلا على الفقراء، والشركات التي تشغل بهواها العمال وتطردهم.

واعتبر إبراهيم أن "العمل لا يوجد باستمرار، فيوم نشتغل، وأيام كثيرة، نبقى في انتظار الزبون، ونحن نقف هنا، ونظل نضيع في أنفسنا فقط، بلا عمل، أين نعمل؟ ليس هناك من يشغلنا، الله غالب". واختصاصات إبراهيم تشمل جميع مجالات البناء، فهو يعمل في الحفر والهدم، وإصلاح قنوات الصرف الصحي. وباختصار، فهو يعمل كل
ما يجده، ويعلق مازحا على وضعيته "سبع صنائع، والرزق ضائع".

وأضاف إبراهيم أشتغل يوما، وأتوقف أربعة أيام، وإذا اشتغلت مرة ب150 درهم، لا أشتغل 3 أو 4 أيام أخرى، أي أتقاضى حوالي 20 درهما أو أقل في اليوم. ولا يطلب إلا أجر عرق كتفه، وهو أجر عمله اليومي، ولا يطلب أكثر منه. وهو يتراوح بين 75 و80 درهما في اليوم.


وباعتراف العاملين في "الموقف"، لا تهتم أجهزة الدولة بهذه الشريحة من العمال المياومين والمؤقتين خارج إطار العمل الاقتصادي المنظم، ويبقون على باب الله. ويقوم أفراد الشرطة بحملات لتشتيت الموجودين في الموقف. وبشهادة العاملين في "الموقف" لا يتم احترام دور العاملين، بل المتحكم هو القوة، فلا يوجد تفاهم قبلي على تنظيم العمل في "الموقف". وقال أحمد: " مثلا، إذا طلب زبون عاملا في مجال البناء، نتزاحم حوله، والقوي هو الذي يذهب معه، وليس هناك أي نظام، ولا يتم احترام الدور".

وقال الرجل المسن بحسرة: "قضيت شبابي هنا، وإذا مرضت لا أجد ما أصرف به. لي الله. ونحن هنا معروفون في الرباط". وتساءل: "ارتفع ثمن الزيت والسكر. لكن من سيتحمل هذه الزيّادة؟ إنها زيادة تؤثر فينا نحن الضعفاء. أما الموظف فأجره الشهري مضمون". وشرع في شرح وضعيته: "أنا أكتري غرفة، ولي 6 أبناء. لي أطفال كبار، وآخرون صغار في مرحلة الدراسة. من يعتني بهم إذا لم أفعل أنا ذلك؟ من يسأل عن حالهم؟ هناك من ينسانا هنا، ولا يعرف هل نحن موجودون أم لا؟". وقال مختار في الخمسين من عمره: " هناك اليوم الذي لا أشتغل فيه.

ومنذ عامين وأنا هنا، أشتغل يوما، ولا أشتغل أسبوعا. وحينما اشتغل في ذلك اليوم لا أعوض ما فاتني من أيام. فمثلا، عندما أشتغل ب100 درهم، هل أعوض بها أسبوعا من العمل؟ لا يمكن". وعن علاقة الشركات بعمال "الموقف" قال علال: "الشركة تبحث عن الذي يحمل التراب أو الإسمنت. وإذا أخذت "المعلم"تشغله 6 أشهر، وتطرده، أو لا تأخذه أصلا من هنا".

وبكلام الحكيم المجرّب قال الرجل المسن: " القانون غير مطبق، موجود وغير مطبق. والمساكين يضيعون هنا، هناك من يبيت في الحديقة، ويضيع المساكين مئة في المئة". وقال رجل في الخمسين: "|كنت أشتغل في شركة للبناء، لكنها لم تعد تطبق القانون. كنت أتقاضى فيها 80 درهما في اليوم. كيف أصرفها على متطلبات الحياة التي لا تنتهي؟ لذلك فضلت أن أشتغل بحرية لحسابي الخاص، وأقنع بما أتى به الله، وبالنسبة لي أتوفر على زبنائي الخاصين، وهناك من يقول لك: "قم بعمل جيد، وسأعطيك ما تطلبه". ويجمع "الموقف" بين جميع الأجيال والأعمار، ويأتي الشباب الجدد من البادية، لذلك لم يعد المترددون على "الموقف" يشتغلون كما يجب. ودائما يشعر عمال الموقف بضيق الحال، فهناك من يتكفل بعائلة كبيرة العدد، وهناك من له 6 أو 7 أطفال، ومع ذلك لا يحصل على أجر جيد، وهناك من له أبناء يتقاسمون معه أعباء الحياة، وهناك من يكتري غرفة مع الجيران، فالأغلبية يكترون غرفا مثل الأقفاص، وجاؤوا من خارج الرباط، من مناطق مثل الرحامنة ودكالة والشاوية، يأتون إلى الرباط لطلب الرزق. وأضاف هذا الشخص متذمرا: "الشركة التي تشغلك بالقانون غير موجودة، تشغلك شهرا أو شهرين، وتطردك. الآن الشركة تشغل بعقد محدد لمدة 6 أشهر، وتطرد العامل عندما تشاء". غادرنا عالم "الموقف"، ونحن نتساءل: هل يمكن تنظيم هذا المجال؟ ولماذا لا يحصل هؤلاء العمال على حقوقهم كاملة؟ ولماذا لا تؤخذ وضعيتهم بجدية؟ طرحنا هذه الأسئلة، ونحن نشعر بمأساة هذه الشريحة التي لا أحد يدافع عن حقوقها، أو يتكلم باسمها لإسماع مطالبها، نتمنى أن تحقق هذه الرسائل أهدافها، وتصل إلى أصحابها، ونحن نبلغ مطالب هذه الفئة المهملة والمهمشة من مجتمعنا.

تعليقات

  1. عمر من مكناس لي شواهد مهنية ودبلوم أبحث عن عمل في أي مجال واتساب 0680037501

    ردحذف

إرسال تعليق

شارك بتعليقك

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

وراء كل عاملة في مصانع النسيج بطنجة قصة تدفن بداخلها جروح عميقة

شركة رونو ملوسة بطنجة ! نوع اخر من الاستعمار الذكي بالمغرب ، في القرن الواحد والعشرون .

دعوة الى جميع عمال طنجة بشأن الوقفة الاحتجاجية التي ستقام يوم الأحد 8 أكتوبر على الساعة 15:00 مساء بساحة الامم بطنجة